في أماكن لا يتغير فيها شيء، تتكرر المشاهد كأن الزمن أصيب بخلل في ذاكرته. صباح جديد… أو لعلّه قديم؟ الأصوات ذاتها، العطر ذاته، الوجوه نفسها، حتى ربطة الشعر تتخذ نفس الهيئة، فقط الألوان تبدّلت وكأنها محاولة فاشلة لإخفاء التكرار.
امرأة تجلس على المقعد ذاته، تمسك بكوب عصير، تنظر للأفق دون تركيز. رجل خمسيني يفتح جريدته بتثاقل، يتجاهل السياسة والأخبار ويقفز مباشرة إلى صفحة الأبراج… ربما يبحث عن بصيص أمل في دنيا أثقلته ولم تترك له من الأيام إلا ما يُقرأ.
في زاوية أخرى، طفلان يتشاجران بصوت عالٍ حول المرجوحة الوحيدة في الحديقة.
“أنا وصلت أول!” “لكنني لم ألعب منذ الأمس!”
صوتهما يخترق سكون المشهد، في لحظة عبثية تشبه صراعات الكبار، لكنها أوضح.
بجانبهم، أمّ تمسك بهاتفها، تُجري مكالمة مع زوجها المغترب. ترفع صوتها وهي تنادي ابنتها الصغيرة:
“تعالي شوفي أبوك… بسرعة قبل ما يقطع الاتصال!”
لكن الطفلة لا تجيب، والمكالمة تنتهي دون وداع.
كل شيء يوحي بالغياب، فالجميع حاضر جسديًا… وغائب شعوريًا.